حمود الطوقي
عندما يحلُّ على عُمان وعلى جلالة السُّلطان قابوس -حفظه الله- ضيفاً عزيزاً، تلتهَّف الأفئدة من أبناء عُمان للطلة البهية لجلالة السلطان، هذه الطلَّة التي تنشر المحبَّة والتلاحم بين الشعب، وتؤكد معنى المحبَّة التي يُكنُّها الشعب العُماني لسلطانه الأبيِّ. بالأمس، تسمَّر العُمانيون أمام شاشات التلفاز، واشتعلتْ وسائل التواصل الاجتماعي، بطلَّة جلالته -حفظه الله- مُسْتَقبِلا ضيفه الكبير جلالة الملك عبدالله بن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية، الذي يزور السلطنة في زيارة خاصة، لعلَّ الحدث الأبرز فيها هو اطمئنان المواطِن العُماني على صحَّة جلالة السلطان -حفظه الله- الذي رَسَم على مدار ما يقارب السبعة والأربعين عامًا الماضية، خارطة الطريق لعُمان الحديثة، تحملُ في طيَّاتها رُؤية جلالة السلطان حول التعامل والتعايش مع الآخرين، وأثبتت هذه الرُّؤية وهذه السياسة الحكيمة -التي ينتهجها المقام السامي- أنَّ السَّلام قيمة تتجاوز المستوى التنظيري، خاصة على مستوى السياسة الخارجية، والصلات الجوارية مع الدول الشقيقة والصديقة، والالتزام بالأعراف والشرائع الدولية التي تنظم العلاقات البينية للدول، وهذا جعل من العاصمة مسقط محط الأنظار، خاصة في ظل سياسة النأي بالسلطنة وشعبها وإعلامها عن التدخل في شؤون الغير، ما لم يُطلب منهم ذلك، واحترام السياسات الداخلية للدول، وعدم التورط في مشاريع سياسية ذات أبعاد وأهداف مشبوهة.
... إنَّ الزيارة التي يقوم بها جلالة الملك عبدالله بن الحسين للسلطنة تَفْتَح الآفاق على تنمية العلاقات بين الشعبين الشقيقين، ونظرة البلدين على المستقبل، الذي يُراهِن على وحدة الصف، والالتفات إلى المصالح المشتركة، والانتباه إلى ضرورة وضع إستراتيجيات تخدم مصالح شعبي الدولتين.
ثم إنَّ هذه الزيارة رَغْم قصرها، تأتي في ظل توترات إقليمية ومتوسطية، تعكسُ رَوْح الحوار والتشاور في مآلات بعض الأحداث؛ بما يصب في صالح الخروج من عنق زجاجة التشظي، نحو استقرار تحتاجه شعوب المنطقة في مختلف المجالات.
كما تعكس الرؤية الاقتصادية الإستراتيجية لمصالح تهم الطرفين، وربما السماح للأشقاء من المملكة الأردنية الهاشمية بدخول السلطنة ممن يحملون الجوازات الخاصة، سيُسهم في تنشيط الحركة السياحية، ويجذب الاستثمارات، ويلقي بوادرها وظلالها على الواقع الاستثماري، والذي يُمكن أن يُشكِّل حلقة مرنة في التنمية الاقتصادية بين البلدين.
هذه المناخات المتعدِّدة، التي تعكسها الزيارات الرسمية التي تشهدها مسقط من وقت إلى آخر، وفي المرحلة الحالية بالذات، تشير إلى حقيقة راسخة، أثبتتها عقود من السياسة العمانية، التي أرسى دعائمها عاهل البلاد المفدى، وهي انعكاسات الإيمان بالسلام، والعمل به، والسعي نحوه، وإشاعته في مختلف المواقف، وهذا واضح في نهج السياسة العمانية الخارجية، التي عزلت السلطنة عن الدخول في صراعات وتحزبات وطروحات وخطابات لا تسمن ولا تغني من جوع؛ مما جعل مسقط محجًّا سياسيًّا واقتصاديًّا، وجعلها لاعبا إقليميًّا إيجابيًّا ومؤثرا في الرؤية العميقة للسلام على المستويين الإقليمي والدولي.